فصل: الخبر عن الفتك بابن أنطول قائد العسكر من النصارى ثم خروج يحيى بن رحو وبني مرين عن الطاعة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن الفتك بابن أنطول قائد العسكر من النصارى ثم خروج يحيى بن رحو وبني مرين عن الطاعة:

لما تقبض عمر بن عبد الله على الوزير كان معتقل سلمان بن داود بدار غريسة قائد النصارى ومعتقل ابن ماسي بداره ضنا به عن الامتهانذ لمكان صهره ولما كان يؤمل منه من الاستظهار على أمره بعصابته من الأبناء والأخوة والقرابة وكان غريسة بن أنطول صديقا لسليمان بن ونصار فما رجع عن السلطان ليلة انفصالهم نزل عليه وكان يعاقره الخمر فأتاه سحرا وتفاوضا في اعتقال عمرو وإقامة معتقله سليمان بن داود في الوزارة لما هو عليه من السن ورسوخ القدم في الأمر ونمي إلى عمر الخبر فارتاب وكان خلوا من العصابة ففزع إلى قائد المركب السلطاني من الرجل الأندلسيين يومئذ إبراهيم البطروجي فباثه أمره وبايعه على الاستماتة دونه ثم استقل عصابتهم ففزع إلى يحيى بن رحو شيخ بني مرين وصاحب شوراهم فشكا إليه فأشكاه ووعده الفتك بابن أنطول وأصحابه وانبرم ابن أنطول وسليمان ابن ونصار على شأنهم وغدوا إلى القصر وداخل ابن أنطول طائفة من النصارى للاستظهار بهم ولما توافت بنو مرين بمجلس السلطان على عادتهم وطعموا دعا عمر بن عبد الله القائد ابن أنطول بين يدي يحيى بن رحو وقد أحضر البطروجي رجل الأندلسيين فسأله تحويل سليمان بن داود من داره إلى السجن فأبى وضن به عن الإهانة حتى يسأل مثلها من كان ابن ماسي صاحبه فأمر عمر بالتقبض عليه فشكر في وجوه الرجال واخترط سكينه للمدافعة فتواثبت بنو مرين وقتلوه لحينه واستلحموا من وجد بالدار من جند النصارى عند دخولهم وفروا إلى معسكرهم ويعرف بالملاح جوار البلد الجديد وأرجف الغوغاء بالمدينة أن ابن انطول غدر بالوزير فقتل جند النصارى حيث وجدوا من سكك المدينة وتزاحفوا إلى الملاح لاستلحام من به من الجند وكب بنو مرين لحماية جندهم من معرة الغوغاء وانتهت يومئذ الكثير من أموالهم وآنيتهم وأمتعتهم وقتل النصارى كثيرا من المجان كانوا يعاقرون الخمر بالملاح واستبد عمر بالدار واعتقل سليمان بن ونصار إلى الليل وبعث من قتله بمحبسه وحول سليمان بن داود إلى بعض الدور بدار الملك واعتقله بها واستولى على أمره ورجع في الشورى إلى يحيى بن رحو واعصوصب بنو مرين عليه واعتز على الأمراء والدولة وكان عدو الخاصة السلطان أبي سالم حريصا على قتلهم وكان عمر يريد استبقاءهم لما أمله في ابن ماسي فخشنت صدورهم عليه ودبروا في شأنه وخاطب هو عامر بن محمد في اتصال اليد واقتسام ملك المغرب وبعث إليه بأبي الفضل ابن السلطان أبي سالم اعتده عنده وليجة لخلاصه من ربقة الحصار الذي هم به مشيخة بني مرين وكان أبو الفضل هذا بالقصبة تحت الرقبة والأرصاد فتفقد من مكانه وأغلظ المشيخة في العتب لعمر في ذلك فلم يستعتب ونبذ إليهم العهد وامتنع بالبلد الجديد ومنعهم من الدخول إليها فاعصوصبوا على كبيرهم يحيى بن رحو وعسكروا بباب الفتوح وجأجؤا بعبد الحليم ابن السلطان أبي علي وكان من خبرهم معه ما نذكره وأطلق عمر بن عبد الله مسعود بن ماسي من محبسه وسرحه إلى مراكش وأوعده في الاجلاب عليهم إن حاصروه كما نذكره إن شاء الله تعالى.

.الخبر عن وصول عبد الحليم ابن السلطان من تلمسان وحصار البلد الجديد:

كان السلطان أبو الحسن لما قتل أخاه السلطان أبا علي وقضى الحق الذي له في ذمته عمل بالحق الذي عليه في ولده وحرمه فكفلهم وغذاهم بنعمته وساواهم بولده في كافة شؤونهم وأنكح ابنته تاحضريت العزيزة عليه عليا منهم المكنى بأبي سلوس ونزع عنه وهو بالقيروان أيام النكبة ولحق بالعرب وأجلب معهم على السلطان بالقيروان وتونس ثم انصرف من إفريقية ولحق بتلمسان ونزل على سلطانها أبي سعيد عثمان بن عبد الرحمن فبؤاه كرامته ثم شرع في الإجازة إلى الأندلس وبعث فيه السلطان أبو عنان قبل فصوله فاشخصوه إليه فاعتقله ثم أحضره ووبخه على مرتكبه مع السلطان أبي الحسن وجحده حقه ثم قتله لليلتين من شهور إحدى وخمسين وسبعمائة ولما هلك السلطان أبو الحسن ولحقت جملته من الخاصة والأبناء بالسلطان أبي عنان وأشخص إخوته إلى الأندلس وأشخص معهم ولد الأمير أبي علي هؤلاء عبد الحليم وعبد المؤمن والمنصور والناصر وسعيد ابن أخيهم أبي زيان فاستقروا بالأندلس في جوار ابن الأحمر ثم طلب أبو عنان إشخاصهم بعد كما طلب إشخاص أخيه فأجارهم ابن الأحمر جميعا وامتنع من إسلامهم إليه وكان من المغاضبة لذلك ما قدمناه.
ولما اعتقل السلطان أبو سالم الأبناء المرشحين برندة كما قدمناه نزع منهم عبد الرحمن بن علي بن أبي يفلوسن إلى غرناطة فلحق بأعماله وكان السلطان أبو سالم بمكانهم مستريبا بشأنهم حتى لقد قتل محمد بن أبي يفلوسن ابن أخته تاحضريت وهو في حجرها وحجره استرابه بما نمي عنه ولما أجاز أبو عبد الله المخلوع ابن أبي الحجاج إلى المغرب ونزل عليه وصار إلى إيالته ورأى أن قد ملك أمره في هؤلاء المرشحين بغرناطة وأرسل الرئيس محمد بن إسماعيل عند توثبه على الأمراء واستلحامه أبناء السلطان أبي الحجاج فراسله في اعتقالهم ثم فسد ما بين الرئيس والطاغية وأخذ منه كثيرا من حصون المسلمين وبعث إلى السلطان أبي سالم في أن يخلي سبيل المخلوع إليه فامتنع وفاء للرئيس ثم دافع الطاغية عن ثغوره بإسعافه طلبته فجهز المخلوع وملأ حقائبه صلة وأعطاه الآلة وأوعز إلى أسطوله بسبتة فجهز وبعث علال بن محمد ثقة أبيه فأركبه الأسطول وركب معه إلى الطاغية وخلص الخبر أن الرئيس بمكانه من ملك غرناطة وكان أبو حمو صاحب تلمسان يراسله في أولاد أبي علي وأن يجيزهم إليه ليجدهم زبونا على السلطان أبي سالم فبادر لحينه وأطلقهم من مكان اعتقالهم وأركب عبد الحليم وعبد المؤمن وعبد الرحمن ابن أخيهما على أبي يفلوسن في الأسطول وأجازهم إلى مرسى هنين بين يدي مهلك السلطان أبي سالم فنزلوا من صاحب تلمسان بأعز جوار ونصب عبد الحليم منهم لملك المغرب.
وكان محمد السبيع بن موسى بن إبراهيم نزع عن عمر ولحق بتلمسان فتوافى معهم وأخبرهم بمهلك السلطان وبايع له وأغراه بالرحلة إلى المغرب ثم تتابعت وفود بني مرين بمثلها فسرحه أبو حمو وأعطاه الآلة واستوزر له محمد السبيع وارتحل معه يغذ السير ولقي في طريقه محمد بن زكراز من أولاد على من شيوخ بنى ونكاس أهل دبدوا وثغر المغرب منذ دخول بني مرين إليه فبايعه وحمل قومه على طاعته وأغذ السير وكان يحيى بن رحو والمشيخة لما نبذ عمر بن عبد الله إليهم العهد وعسكروا بباب الفتوح أوفدوا مشيخة منهم على تلمسان لاستقدام السلطان عبد الحليم فوافوه بتازي ورجعوا معه وتلقته جماعة بني مرين بسبوا ونزلوا على البلد الجديد يوم السبت سابع محرم من سنة ثلاث وستين وسبعمائة واضطرب معسكرهم بكدية العرائس وغادوا البلد القتال وراوحوها سبعة أيام وتتابعت وفودهم وبيعات الأمصار توافيهم والحشود تتسايل إليهم ثم إن عمر بن عبد الله برز من السبت القابل في مقدمة السلطان أبي عمر بمن معه من جند المسلمين والنصارى رامحة وناشبة ويهل بالسلطان من جاء به في الساقة على التعبية المحكمة وناشبهم الحرب فدلفوا إليه فاستطرد لهم ليتمكن الناشبة من عقرهم من الأسوار حتى فشت فيهم الجراحات ثم صمم نحوهم وانفرج القلب وانفضت الجموع وزحف السلطان في الساقة فانذعروا في الجهات وافترق بنو مرين إلى مواطنهم ولحق يحيى بن رحو بمراكش مع مبارك بن إبراهيم شيخ الخلط ولحق عبد الحليم وإخوته بتازي بعد أن شهد لهم أهل المقام بصدق الجلاد وحسن البلاء في ذلك المجال وصابر عمر بن عبد الله قدوم محمد بن أبي عبد الرحمن كما نذكره إن شاء الله تعالى.